Search This Blog

Sunday, November 1, 2020

معنى أن يكون لك معنى

 

بقلم اياد شماسنة 


أن تكون فلسطينيا؛ يعني أن تكون فائق القوة والقدرة والاحتمال، أن تمتلك مرونة الرجل المطّاطي، وقوة سوبر مان، وخفة الرجل العنكبوت، ودهاء الرجل الوطواط، ولديك خواتم ثانوس الجبار، وربما تقدمت بك شركة مارفيل السينمائية لإنتاج خارق جديد يسيطر على مفاتيح القوة والصمود، ضمن سلسلتها الخرافية " رجال إكس" وذلك لما كنت تطوره من مهارات وأدوات في رحلتك العجيبة أمام الجبروت والطغيان والظلمات ومسالك الضياع والشتات.

ستحتاج إلى كل تلك القوى في رحلة صعودك الأسطورية نحو الضوء، وستدفع ثمن أن تكون فلسطيينيا، بأن تنفق على الشركات الكبرى والصغرى؛ القابضة والمنقبضة والمفلسة، عليك كفلسطيني أن تتحدث بثلاث لغات على الأقل “عربية وعبرية، وانجليزية" ومؤخرا تحتاج اللغة التركية إن اردت الرحيل عن قطاع غزة المحاصر الى بلاد العم أردوغان. باختصار، انت محتاج الى محفظة نقود ضخمة بالسترليني والتركي والأمريكية واليورو، بضعة مهن (سبعة عشر على الأقل) تتنقل بها وتملأ سطور سيرتك الذاتية، عدد من اللغات المساندة، ووجه مبتسم لا يوقفونه في المطارات.

 المال ضروري جدا لتكون فلسطينيا، بضع آلاف من الغرامات وفوائد التأخير معونة للاقتصاد المتهالك، فواتير ماء وكهرباء تشتري بها ماء السماء الذي يهطل عليك، وضرائب بأشكال وألوان، ورسوم مغادرة وطنك منه واليه، خمسون ألف معاملة ورقية واليكترونية وشفهية، جواز سفر وتصريح وبطاقة هوية ورخصة مرور، وبطاقة ممغنطة، وضريبة دخول وضريبة مغادرة وغيرها.

عندما تقرر ان تبنى معايير المواطنة الفلسطينية، عليك ان تعرف انه ن يهون عليك مغادرة البلاد، فلديك حكومة تنفق عليها، وعلى وزرائها وقنصلياتها ومن لف لفيفها ، ولديك بلديات ومجالس وهيئات ونقابات ترشدها الى ما هو واجب عليها ، ولديك قيادات  تأمرها بالمعروف وتنهاها عن المنكر، لديك مدارس تبنيها او تعيد بناءها على النفقات الشخصية والتبرعات الداخلية، ومجالس أولياء أمور برئاسة معالي الوزير، بصفته الأب الحنون والرجل الرشيد ، لديك منظمات اهليه تملأ قوائم مشاريعها باسمك وأسماء ابنائك لتجديد ثقة مموليها بها من اجل المزيد من المال،  ولديك جيل كامل وقود لكل المراحل عليك ان ترعاه حتى يحين موعد وصوله الى هدفه الذي يساق اليه.

وعلك مع كل ذلك، وانت الفلسطيني الجميل، الأنيق، صاحب الحق الأبدي في الأرض والوجود، أن تثبت لخصمك السياسي وللأحزاب القومية والإسلامية والاشتراكية المعارضة والممانعة، الموافقة والمساندة، التي تكفر بالبرجوازية العفنة والبطالة الرثة، والتي تنساها أو تعفو عنها أنك فلسطيني، بعضهم يريدونك عروبيا، وبعضهم سوريا وبعضهم شاميا او إسلاميا او سلفيا او عدنانيا او ساميا، وبعضهم يضعك في الدولة العظمى العالمية لأمير المؤمنين الغائب، لا احد يقف بجانبك، لا احد يكف عنك دبابة الاحتلال  او يساعدك في ترقيع بابك المثقوب في الشتاء.

وعليك أيها الفلسطيني المجيد، ان تقف صامدا كالجبل مثل جلجامش العظيم امام محتل غاشم يزعم انك ظل للهواء، انك خفي غير موجود ولم تكن موجودا ، وان الأرض انتظرت رغباته الفي عام كي يعود، سيحكم انك محض هواء وغبار عابر، سيسرق خبزك  ويقول ان قمحه له، ويسرق ثوبك ليلبسه، ويسلب ترابك لدقن موتاه وموتاك الشهداء في ثلاجات البرد والجليد، ويطلب منك مجتمع الدول الحضارية الأنيقة ان لا تكون قويا امام جلادك  ولا عنيفا، عليك ان تكون بالغ الاحترام  فلا تثير غضب المجتمع الدولي  والحكومات العتيدة، ان لا تقض مضاجع اسفلت العالم بضربات حذائك احتجاجا، او عندما تركض نحو طفلك لتحميه من جرعة خوف او زخات رصاص.

ان تكون فلسطينيا؛ يعني ان تناضل العالم نيابة عن العالم، ضد القهر، الذي يتخذ من العهر وسيلة للتغُّول والتمدد والاستحواذ.


اياد شماسنة